تعريف التجارة الإلكترونية:
تعد ظاهرة التجارة الإلكترونية عبر شبكات الإنترنت (E-Commerce)، وما تنطوي عليه من تطبيقات، ظاهرة حديثة كانت بداياتها في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. وقد ظهر عدة تعريفات يحاول كل منها أن يصف ويحدد طبيعة هذه التجارة الإلكترونية وما يتعلق بها من ممارسات وأنشطة. وربما يرجع تعدد هذه التعريفات إلى أن تطبيقات التجارة الإلكترونية تشتمل على عدة مكونات أساسية لابد من توفرها لتنفيذ عمليات التجارة الإلكترونية، مثل استخدام الحواسب الآلية وتقنية الاتصالات ونظم المعلومات والبرمجيات وغيرها. ومفهوم التجارة الإلكترونية بعامة يندرج تحت مفهوم أوسع يسمى بالاقتصاد الرقمي (Digital Economy) حيث يشمل الأخير التجارة الإلكترونية والقطاعات المنتجة والمستخدمة لتقنية المعلومات، وأجهزة الاتصالات، وقطاعات خدمات الاتصالات . ومن تعريفات التجارة الإلكترونية المتداولة في أدبيات هذه الظاهرة أنها ” ممارسة تجارة السلع والخدمات بمساعدة أدوات الاتصال وغيرها من الوسائل ذات العلاقة بالاتصالات . ويعرفها آخرون بأنها ” إتمام أي عملية تجارية عبر شبكات الحاسب الآلي الوسيطة والتي تتضمن تحويل أو نقل ملكية أو حقوق استخدام السلع والخدمات ، حيث تعقد العملية التجارية ضمن آلية إلكترونية معينة مثل عملية البيع والشراء، وتتحقق العملية عندما يتم الاتفاق بين الطرفين أي البائع والمشتري على نقل ملكية أو حق استخدام السلع أو الخدمات عبر شبكات الحاسب الآلي الوسيطة، وتعد الموافقة الإلكترونية أو الرضاء بين البائع والمشتري على عقد عملية البيع أو الشراء عنصرا أساسا في تحديد مفهوم التجارة الإلكترونية. لذلك فإن العمليات المجانية مثل تحميل البرامج المجانية (Downloading Free software) المتاحة في الإنترنت تستثنى من مفهوم التجارة الإلكترونية. وهناك من يعرف التجارة الإلكترونية وفقاً لمكوناتها أو الأطراف المشاركة فيها، فمن وجهة نظر خبراء الاتصالات تمثل التجارة الإلكترونية وسيلة من أجل إيصال المعلومات أو الخدمات أو المنتجات عبر خطوط الهاتف أو عبر الشبكات العنكبوتية أو عبر أي وسيلة تقنية. ومن وجهة نظر أصحاب الأعمال التجارية هي عملية تطبيق التقنية من أجل جعل المعاملات التجارية تسير بصورة تلقائية وسريعة، في حين أنها من جانب الخدمات تعرف بأنها أداة من أجل تلبية رغبات الشركات والمستهلكين والمدراء في خفض تكلفة الخدمة والرفع من كفاءتها والعمل على تسريع إيصال الخدمة. و أخيرا يصفها خبراء الإنترنت بأنها التجارة التي تفتح المجال من أجل بيع وشراء المنتجات والخدمات والمعلومات عبر الإنترنت.
مجال التجارة الإلكترونية:
تعد التجارة الإلكترونية مفهوما واسعاً يشمل أي نشاط أو تعاملات تجارية تتحقق بين أطراف متعددة عبر الوسائل الإلكترونية وأهمها شبكة الإنترنت، لذلك فإن أي نموذج للتجارة الإلكترونية يشتمل على الأطراف الأساسية المعنية بالتعامل التجاري (انظر شكل 3)، وعليه يمكن تقسيم التجارية الإلكترونية حسب طبيعة وهوية الأطراف الأساسية المعنية بالتعامل التجاري كالآتي:
أ. التعامل بين شركة تجارية وشركة تجارية أخرى – Business to Business) B2B) – وهذا النوع من التجارة الإلكترونية تتم فيه المعاملات من بيع وشراء وتبادل للمعلومات في مساحة سوقية إلكترونية ( Market space ) بين الشركات التجارية. ويشكل هذا النوع من المعاملات التجارية بين قطاعات الأعمال (B2B) أغلب معاملات التجارة الإلكترونية حيث تستحوذ على ما يقارب 80 % من إجمالي حجم التجارة الإلكترونية في العالم. وتشير بعض مراكز الأبحاث إلى أنه من المتوقع أن يبلغ حجم عوائد التجارة الإلكترونية بين القطاعات التجارية على مستوى العالم إلى نحو 7.2 تريليون دولار بحلول عام 2004م، ويعزى هذا التوقع في ارتفاع حجم التجارة بين القطاعات التجارية إلى تحول هذه القطاعات إلى وسائل إلكترونية لإنجاز معاملاتها عوضا عن وسائلها التقليدية، حيث إن استخدام تقنية المعلومات في التعاملات التجارية أثبت مقدرته في تخفيض التكاليف وتسريع إنجاز معاملاتها، إضافة إلى ذلك فإن القطاعات التجارية الكبيرة لديها خبرة في التعاملات الإلكترونية باستخدام تقنية التبادل الإلكتروني للبيانات – Electronic Data Interchange (EDI) لأغراض المبادلات التجارية فيما بينها بشكل آمن عبر ما يسمى بشبكات القيمة المضافة -( Value added network VAN)
ب. التعامل بين الشركة أو المؤسسة التجارية والمستهلك (Business to Consumer B2C) وهذا النوع من التجارة الإلكترونية يتم فيه التعامل من بيع وشراء بين المؤسسات التجارية والأفراد أو المستهلكين، ويشمل هذا السوق قطاعات التجزئة التي تبيع المنتجات والخدمات للمستهلكين عبر شبكة الإنترنت. ويتم التعامل بين الشركة والأفراد سواء على مستوى السوق المحلي أو الدولي، حيث يقوم المستهلك بطلب السلعة أو الخدمة من موقع الشركة في الإنترنت ويدفع ثمنها بالبطاقة مثلا ثم بعد ذلك يحصل على السلعة أو الخدمة مباشرة إذا كانت منتجاً رقمياً أو عن طريق البريد التقليدي إذا كان غير قابل للتسليم إلكترونيا. وبالرغم أن هذا المجال من التجارة الإلكترونية لا يزال محدودا مقارنة بالتجارة الإلكترونية بين مؤسسات الأعمال التجارية (B2B)، إلا أن الاهتمام والخطط الاستراتيجية للشركات التجارية تتجه نحو الاستفادة من قطاع الأفراد والمستهلكين، سيما وأن الشركات الكبيرة ذات السمعة التجارية الحسنة تستطيع أن تكسب التعامل الإلكتروني على مستوى الأفراد في كافة أنحاء العالم. وقد بلغ حجم التجارة الإلكترونية بين المؤسسات التجارية والمستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها نحو 20 مليار دولار في عام 1999م ، ويتوقع أن يصل إلى 2000 مليار دولار في عام 2004م. ويشمل هذا التعامل التجاري أيضا الاتجاه المعاكس بين المستهلك والمؤسسة التجارية، عندما يقوم الأفراد والمستهلكون ببيع خدماتهم للمؤسسات أو الشركات التجارية، وإن كان حجم هذا التعامل ضئيلاً جدا.
ج. التعامل بين المؤسسة التجارية والحكومة – ( Business to Government B2G) – وهذا الجانب من التجارة الإلكترونية لا يزال في مراحله الأولية في معظم الدول، كما أن أغلب هذا النشاط يتركز على التفاعل الإلكتروني بين المؤسسات التجارية والمؤسسات الحكومية مثل عمليات إثباتات ومدفوعات الضرائب ومدفوعات التراخيص التجارية ورسوم الجمارك وتخليص الواردات من البضائع منها، بالإضافة إلى ما تقوم به المؤسسات الحكومية من مشتريات من المؤسسات التجارية إلكترونيا.
د. هناك فئات من التعاملات التجارية الإلكترونية الأخرى مثل التعامل بين المستهلك والمستهلك Consumer to Consumer (C2C) حيث يكون التعامل التجاري الإلكتروني بين الأفراد المستهلكين أنفسهم، وفيه تكون عملية البيع والشراء بين مستهلك و مستهلك آخر من خلال وضع إعلانات على المواقع الشخصية في الإنترنت بهدف بيع الأغراض الشخصية أو بيع الخبرات للآخرين، ويشمل ذلك المزادات الإلكترونية التي تتم فيها التعاملات التجارية بين الأفراد. وهناك أيضا تعاملات إلكترونية بين الأفراد والمؤسسات الحكومية، وهذا يشمل التفاعل الإلكتروني في مجال الخدمات والمعاملات الرسمية بين الأفراد والحكومة. ويمكن اعتبار التعامل ما بين المؤسسات الحكومية من جهة والأفراد والمؤسسات التجارية من جهة أخرى جزء من مفهوم الحكومة الإلكترونية (Electronic Government).
تطور التجارة الإلكترونية:
أدى التطور المستمر في تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) إلى ظهور شبكة الإنترنت، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وانتشارها بشكل سريع في جميع دول العالم حيث أصبحت وسيلة هامة لإنجاز المعاملات بأساليب إلكترونية. ومع الازدياد المتنامي لعدد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم تنوعت استخدامات شبكة الإنترنت والاستفادة منها في مختلف مناحي الحياة، ومن بينها مجال التجارة الإلكترونية في مختلف القطاعات الاقتصادية السلعية منها والخدمية من بيع أو شراء وتسويق وترويج و إعلان وغيره.
ويشير الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) إلى أن أعداد المستخدمين للإنترنت في تزايد مستمر، حيث كانت 4.5 مليون مستخدم في 1991م ثم تضاعفت حتى بلغت 60 مليون في عام 1996م ، وتوقع أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت في عام 2006م إلى 600 مليون مستخدم ، وتشير الإحصائيات التي أوردتها (Emarketr) أن عدد المستخدمين للإنترنت بلغ 445.9 مليون مستخدم ، وتوقعت أن يصل إلى 709.1 مليون في عام 2004م، وأشار (Computer Industry Almanac) إلى أن أعداد المستخدمين بلغ 533 مليون وتوقع أن يتجاوز المليار مستخدم بحلول عام 2006م .
وقد صاحب هذا التطور في أعداد المستخدمين للإنترنت نموًّ في حجم التجارة الإلكترونية في قطاعات مختلفة، حيث قدرت بعض المصادر أن التسوق عبر شبكة الإنترنت في عام 1999م يمثل نحو 13% من إجمالي حجم تسوق المستهلكين، كما توقعت أن تتضاعف إلى 26% بحلول عام 2007م.ويجدر الاشارة أن إجمالي حجم التجارة الإلكترونية يتضاعف تقريباً كل عام، وقدر بنحو 6.8 تريليون دولار بحلول عام 2004م وبما يعادل 8.6 % من إجمالي حجم التجارة في العام نفسه. وتوقعت مصادر أخرى (انظر جدول 1) أن حجم التجارة سيبلغ نحو 9.3 تريليون في عام 2005م وإلى نحو 12.9 تريليون في عام 2006م. وكذلك أوردت (ActivMedia) نمو التجارة عبر الإنترنت في سلسلة زمنية ممتدة من 1994م إلى 2002م، حيث تظهر نمو أسياً لحجم التجارة الإلكترونية منذ مطلع التسعينات حتى عام 2002م (انظر جدول 2). ومن ناحية أخرى، هناك اختلافا واضحاً في أنصبة الدول والمناطق الجغرافية من التجارة عبر الإنترنت، حيث تستحوذ دول أمريكا الشمالية على نحو 50.9 % ، يمثل نصيب الولايات المتحدة الأمريكية وحدها نحو 47%، بينما تبلغ أنصبة دول آسيا والباسيفيك وأوربا الغربية وأمريكا اللاتينية على 24.3% و 22.6% و 1.2% على التوالي. ونشير أيضا إلى أن هيمنة التجارة الإلكترونية المتوقعة في عام 2004م قدرت بنحو 13% في الولايات المتحدة الأمريكية وبنسبة 16.4% في كل من استراليا وكوريا، وربما يعزى ذلك إلى النمو السريع في استخدام الإنترنت وتفضيل المشتركين والقطاعات التجارية إجراء العمليات التجارية عبر شبكة الإنترنت في تلك الدولتين.
وبالنسبة للمقارنة بين حجم التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت وحجم التجارة عبر الوسائل الأخرى، نلاحظ أنه في حين أن التجارة عبر الإنترنت تتنامى بشكل أسرع وخلال فترة قياسية، نجد أن حجم التجارة عبر القنوات الأخرى في انخفاض ملحوظ، فأن حجم التجارة عبر شبكة الإنترنت كان في عام 1997م لا يتجاوز 15%، إلا انه في عام 2000م تضاعف حتى بلغ نحو 42% من إجمالي التجارة. ومن جهة أخرى، انخفضت حجم التجارة التي تعقد عبر وسائل أخرى، مثل الهاتف والفاكس والبريد أو المعاملات التجارية المباشرة، من 75% في عام 1997م إلى نحو 58% في عام 2000م مما يدل على تنامي الاهتمام بشبكة الإنترنت كوسيلة لعقد العمليات التجارية محل الوسائل أو القنوات التقليدية السابقة. ويؤكد هذا النمو المستمر في التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت بعض المصادر ومراكز الأبحاث المختلفة، حيث قدرت حجم التجارة الإلكترونية بأكثر من700 مليار دولار في عام 2001م في حين أنها لم تتجاوز حاجز 3 مليار دولار في عام 1996م (انظر جدول 2).
ومن ناحية التوزيع الجغرافي لحجم التجارة الإلكترونية، نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية تستحوذ على النصيب الأوفر منها عن بقية الدول الأخرى، حيث تشير بعض مراكز الأبحاث أن نحو 85 % من إجمالي حجم التجارة عبر شبكة الإنترنت خلال عام 96/1997م كان من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية .
أساليب قياس حجم التجارة الإلكترونية:
يمثل صعوبة قياس حجم التجارة الإلكترونية أحد التحديات المصاحبة لهذه الظاهرة والتي تواجه كل من صانعي السياسات الاقتصادية على مستوى الحكومات، ومتخذي قرارات الاستثمار على مستوى أصحاب الأعمال والقطاعات الخاصة، وكذلك تشكل تحديا فنيا على مستوى مصالح ومراكز الإحصاءات المعنية بقياس وتقدير حجم مؤشرات التجارة الإلكترونية. ويبرز هذا التحدي مع النمو المستمر في أعداد القطاعات والمؤسسات التي تستخدم الإنترنت في معاملاتها التجارية، وكذلك مع تنوع وتعدد السلع والخدمات التي تدخل في مجال التجارة الإلكترونية. وترجع صعوبة قياس التجارة الإلكترونية إلى عدة عوامل، منها ما يتعلق بتحديد مفهوم التجارة الإلكترونية ومكوناتها، وكذلك سرعة نموها والتطور التكنولوجي المصاحب لها، بالإضافة إلى أن العديد من المؤسسات التجارية تقوم بالتجارة الإلكترونية والتجارة التقليدية في آن واحد. وبسبب هذه العوامل وغيرها، فإن أساليب قياس حجم التجارة الإلكترونية سواء من حيث الأرقام الفعلية أو التقديرية ستظل تفتقر إلى الدقة والموثوقية. ولذلك فإن إحصاءات التجارة الإلكترونية التي تنشرها بعض مراكز البحوث والقطاعات الخاصة تظهر متباينة، وإلى حد كبير أحيانا. وبالرغم من القصور في أساليب قياس التجارة الإلكترونية، إلا أن الدول وكذلك القطاعات الخاصة تعمل على إنشاء برامج قياس لإيجاد مؤشرات تعكس طبيعة وتطور أنشطة التجارة الإلكترونية، وذلك بهدف قياس أثرها على القطاعات الاقتصادية، وقياس نموها، ومقارنتها بين مختلف الدول.
ومن الأساليب المتبعة في قياس حجم التجارة الإلكترونية:
أ. جمع البيانات الرقمية عن استخدام تقنية المعلومات والاتصالات واستخدام الإنترنت، ويتميز هذا الأسلوب بسهولة تحصيله من مصادر مختلفة، وبالتالي توفر عنصر الثقة والدقة في مثل هذه الأرقام، ومن ثم تستخدم هذه الأرقام في معرفة أو تقدير حجم الأنشطة التجارية عبر الإنترنت.
ب. جمع بعض الإحصاءات ذات العلاقة بأنشطة التجارة الإلكترونية، مثل معرفة مؤشرات الاستعداد الإلكتروني (Electronic Readiness) في المجتمعات، وذلك بحصر المؤسسات والقطاعات التجارية التي لديها أجهزة حاسب آلي وتوفر إمكانية استخدامها للإنترنت. وكذلك معرفة مؤشرات الكثافة، أي تلك المؤسسات التجارية التي تستقبل طلبات العملاء والمدفوعات عبر شبكة الإنترنت. وهذا الأسلوب يتناسب مع كثير من البلدان النامية التي لا تزال في المراحل الأولى في استخدام الإنترنت.
ج. إجراء المسح الميداني على مستوى المؤسسات التجارية، سواء في قطاع الجملة أو قطاع التجزئة، وذلك لمعرفة حجم أنشطتها عبر شبكة الإنترنت. ويجري هذا المسح سنويا أو ربع سنويا حتى يغطي الأنشطة التجارية المتجددة عبر الإنترنت.
د. إجراء المسح الميداني على مستوى الأفراد والأسر (قطاع المستهلكين) لمعرفة توفر أجهزة الحاسب الآلي، وكذلك معرفة إمكانية الدخول إلى الإنترنت وحجم إنفاقهم على التجارة الإلكترونية.
متطلبات التجارة الإلكترونية:
لكي تصبح التجارة عبر شبكة الإنترنت متاحة في أي مجتمع فإنه لابد من توفر البيئة المناسبة لها وكذلك المتطلبات اللازمة لتحقيقها. فسوف نتناول، بإيجاز، هذه المتطلبات وفق التقسيمات التالية:
أ. البنية التحتية الإلكترونية، وتشمل البنى التحتية الداعمة للتجارة الإلكترونية وعقد التعاملات التجارية عبر شبكة الإنترنت. ومن أبرز مكونات هذه البنية قطاع تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) وتشمل شبكات الاتصال السلكي واللاسلكي وأجهزة الاتصالات من فاكس وهواتف ثابتة ومتنقلة، وكذلك الحواسب الآلية وبرامج التطبيقات والتشغيل، وخدمات الدعم الفنية، ورأس المال البشري المستخدم في الأعمال والتجارة الإلكترونية، إضافة إلى توفر القطاعات المنتجة لتقنية المعلومات. فهذه المكونات توفر البيئة التحتية الإلكترونية التي تساعد على انتشار استخدام الإنترنت وتهيئ البيئة المناسبة للتجارة الإلكترونية. ويعتبر انتشار الإنترنت عاملا رئيسا في الدخول للتجارة الإلكترونية، لأنها بمثابة القناة الإلكترونية أو السوق الإلكتروني الذي تتم من خلاله المعاملات والتبادلات التجارية. كما أن انتشار الإنترنت يعتمد على توفر عناصر أساسية منها توفر أجهزة الحاسب الآلي الشخصية والهواتف والحاسبات المضيفة، وإمكانية الدخول إلى الإنترنت من خلال معرفة عدد المستخدمين والمشتركين والمستخدمين المحتملين للإنترنت.
ب. التشريعات والأنظمة للتجارة الإلكترونية: وتشمل التشريعات والقوانين والقواعد التي تتلاءم مع طبيعة التجارة عبر شبكة الإنترنت. وتمثل هذه التشريعات الإطار القانوني والتنظيمي الذي يضمن استمرار التجارة الإلكترونية وحماية حقوق الأطراف المتعاملة فيها. كما يتكفل هذا الإطار القانوني بإيجاد الأدوات القانونية التي تتناسب والتعاملات الإلكترونية مثل وسائل التعاقد عبر شبكة الإنترنت أو عبر البريد الإلكتروني، والشروط اللازمة لذلك، وفض النزاعات التجارية الإلكترونية سواء كانت في داخل المجتمع أم كانت بين أطراف في دول مختلفة، وكذلك التعامل مع وسائل الإثبات للأطراف المتنازعة تجاريا عبر شبكة الإنترنت. وتشمل أيضا هذه التشريعات القضايا المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، والجرائم الإلكترونية وتحديد مفهوم الضرر والإتلاف الناجم عن تلك الجرائم، والتعامل مع التوقيعات الإلكترونية وما هي صيغة الإيجاب والقبول الكترونيآ.
ج. توفر الكوادر البشرية: ويمثل هذا الجانب أحد مقومات نجاح التجارة الإلكترونية في أي مجتمع، وتشمل هذه الكوادر البشرية المتخصصين في قطاع تقنية المعلومات وشبكات الاتصال والإنترنت والبرامج التطبيقية ذات العلاقة بالتجارة عبر الإنترنت. ومن ناحية أخرى تتطلب التجارة الإلكترونية ما يسمى بالاستعداد الإلكتروني (E-Readiness) أي المجتمع القادر والذي لدية الرغبة في استخدام وممارسة التجارة عبر شبكة الإنترنت. ويرتفع معدل الاستعداد الإلكتروني لأي مجتمع من خلال تطوير نوعية الأنظمة التعليمية وتوسيع دائرة الفرص لأفراد المجتمع للاستفادة منها حتى يصبح مجتمعا ذا معرفة وثقافة تكنولوجية، بالإضافة إلى توفير الفرص للمؤسسات والمعاهد التعليمية والمدارس لأستخدم تقنية المعلومات والاتصالات، وتكييف المناهج التعليمية مع المعارف التقنية.
آثار التجارة الإلكترونية على الاقتصاد:
أحدث التطور التكنولوجي الذي شهده العالم، مع دخوله القرن الحادي والعشرين، ثورة معلوماتية، أطلق عليها الثورة الصناعية الثالثة أو الموجة البشرية الثالثة، بعد الموجة الزراعية والصناعية التي مرت بهما البشرية في تاريخها الطويل. ويتوقع أن تقود هذه الثورة المعلوماتية إلى قيام اقتصاد جديد يطلق عليه اقتصاد المعلومات (Information Economics) يختلف في نوعيته وبنيته وآلياته ونظرياته عن الاقتصاد التقليدي، مما يؤدي إلى إضافة قطاع اقتصادي جديد بجانب القطاعات الاقتصادية التقليدية: الزراعية والصناعية والخدمية. وتوقعت دراسات قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي أن يهيمن هذا الاقتصاد الجديد (اقتصاد المعلومات) على نحو 80% من حجم النشاط الاقتصادي الإجمالي بحلول عام 2012م.
وفي ظل التوقعات المتفائلة لهذا التحول، من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد جديد، فإن ثمة دلائل وإشارات تؤيد هذه التوقعات، يمكن بيانها من خلال استعراض بعض الآثار والفوائد لتطبيقات التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت والتي أضحت القوة الدافعة لاقتصاد المعلومات الجديد. فسوف نجمل هذه الآثار والفوائد المتحصلة من التجارة عبر شبكة الإنترنت على مستوى قطاعات الأعمال ومستوى الأفراد (المستهلكين) والمستوى القومي أو الكلي.
الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على مستوى قطاع الأعمال:
تتلخص أبرز الفوائد الاقتصادية للتجارة الإلكترونية المتحصلة على مستوى المؤسسات والشركات التجارية في الآتي:
أ- توسيع نطاق السوق: حيث تعمل التجارة الإلكترونية على توسيع دائرة السوق المحلي وكذلك النفاذ إلى الأسواق العالمية وخلق أسواق جديدة كان من المتعذر إيجادها في ظل التجارة التقليدية، لأن ممارسة التجارة عبر شبكة الإنترنت تجعل المنتجات من السلع والخدمات متاحة لأكبر عدد ممكن من المستهلكين. وهذا يتيح حتى للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحضور في الأسواق المحلية والدولية الأمر الذي يمنح فرصة أكبر للمستهلك للاختيار من بين المنتجات المعروضة. ويعد الدخول اليسير والفعال إلى الأسواق المحلية والدولية لمؤسسات الأعمال أحد الفوائد المباشرة للتجارة الإلكترونية التي تعتمد على الإنترنت. ولذلك فإنه بإمكان أي فرد أن يصبح تاجرا على الإنترنت بتكاليف منخفضة جدا. وعلاوة على إمكان الوصول إلى الأسواق العالمية، فإن الشركات التي تبنت التجارة الإلكترونية تؤكد وجود فوائد ومنافع أخرى لهذه التجارة مثل تقليص أوقات أو فترات التوريد، واختصار أوقات دورات الإنتاج، وتبسيط عمليات وإجراءات الشراء، بالإضافة إلى إنقاص المخزون، لأن المنتجين والمستهلكين يصبحون قريبين جدا من بعضهم البعض من خلال الاتصال المباشر فيما بينهم، دون تدخل الوسطاء التقليديين مثل الموردين والمصدرين وتجار الجملة والتجزئة .
ب- تفعيل مفهوم المنافسة الكاملة في السوق: حيث تعمل التجارة الإلكترونية على تقليص المسافات بين المنتجين والمستهلكين مما يتيح التواجد الإلكتروني القريب بين البائع والمشتري الأمر الذي يؤدي إلى تحسين مستوى ونوعية المنتج عن طريق خدمات ما قبل وبعد البيع، وتوفر المعلومات عن طبيعة المنتجات وأسعارها ومنتجيها في الأسواق، وكذلك الاستجابة السريعة لطلبات السوق مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تحسين درجة التنافسية في الأسواق الإلكترونية. كما أن انخفاض تكاليف العمليات التجارية وانخفاض عوائق الدخول في الأسواق من شأنه تقليل بعض الاختلافات في الأسواق التجارية، وتحريك الأنشطة الاقتصادية والوصول بها إلى أن يكون اقتصادا يعتمد على المنافسة الكاملة.
ج- انخفاض تكاليف العمليات التجارية: تمثل تكاليف الصفقات التجارية المتمثلة في جمع المعلومات والتفاوض وأتعاب السمسرة وعمولات المبيعات والإجراءات الإدارية وغيرها جزء مهما في سعر المنتج. وتلعب التجارة الإلكترونية دورا بارزا في تخفيض هذه التكاليف من خلال تحسين وتدفق المعلومات وزيادة تنسيق الأعمال، وكذلك انخفاض تكاليف البحث عن المعلومات المتعلقة بالمشترين المحتملين والبائعين في السوق. كما تمكن التجارة الإلكترونية مؤسسات الأعمال من تنسيق استراتيجياتها ومواردها ومهاراتها بتكوين علاقات طويلة المدى، لا سيما تلك المؤسسات أو الشركات التكنولوجية كثيفة المعلومات، وذلك من خلال الشبكات الإلكترونية التي تتيح تقاسم المعلومات. ويعتقد بعض الباحثين أن صور هذه الشبكات التي تنظم التجارة الإلكترونية سوف تسود في المستقبل القريب وتصبح هي الهيكل التنظيمي لكل التعاملات الاجتماعية بين الناس. ومن ناحية أخرى تسهم التجارة الإلكترونية في خفض التكاليف الإدارية لدى مؤسسات الأعمال في توزيع وحفظ واسترجاع المعلومات الورقية، وقد يصل خفض التكاليف الإدارية لعمليات الشراء إلى 85%، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض أسعار المنتجات.
د- تحكم أفضل في إدارة المخزون: تسهم التجارة الإلكترونية في خفض المخزون عن طريق استعمال عملية السحب في نظام إدارة سلسلة التوريد، حيث تبدأ العملية بالحصول على الطلب التجاري من المشتري وتزويده بطلبه من خلال التصنيع الوقتي المناسب ، وهذا من شأنه العمل على تقليص الدورة التجارية بدرجة كبيرة حيث يتم شحن المنتج مباشرة من المصنع إلى المشتري النهائي. ويظهر ذلك بشكل كبير في المنتجات الرقمية، أي السلع والخدمات التي يتم تسليمها إلكترونيا. وبذلك تصبح التجارة الإلكترونية أداة مهمة في إدارة المخزون وانخفاض تكاليف التخزين، وهذا له آثار اقتصادية على المستوى الكلي إذا علمنا أن 10% من التقلب ربع السنوي في معدلات نمو الإنتاج تعود نتيجة للتقلب في الاستثمار في المخزون. فإذا كانت التجارة الإلكترونية تعمل على تخفيض المخزون إلى حده الأدنى، فإنه من المتوقع أن يكون أحد آثار التجارة الإلكترونية هو تخفيف آثار الدورة التجارية الناجمة عن التغير في المخزون. ومع تطور تقنية المعلومات والاتصالات وتدفق المعلومات بشكل أفضل فإنه من المتوقع أن ينخفض أثر المخزون على الدورة التجارية إلى حده الأدنى بل ربما ينعدم.